Read & Study the Bible Online - Bible Portal
الأبله: الجزء الأول
يعتبر دوستويفكسي واحداً من أعظم كتّاب الرواية، فأعماله تتميز بقدرة على السرد تشدّ القارئ، وبتعبيرها القوي عن دزاخل النفس الإنسانية، وقد عبّر عن ذلك في عناوين رواياته التي تصف الإنسان في شتى مواقفه وتصرّفاته: المقامر - المراهق - مذلّون مهانون - الجريمة والعقاب - الأبله...

رواية "الأبله" واحدة من أكثر النماذج تعبيراً عن قدرة دوستويفسكي على النظر في دواخل النفس الإنسانية فهذا "الأبله" هو أمير، من سلالة أمراء معروفة في تاريخ روسيا، لكن شخصيته ومسار حياته لا يشبهان أبداً أولئك الأمراء الذين يأمرون فيُطاعون. بل هو شخص طيّب بسيط، يمكن استدرار عاطفته والتأثير عليه بمجرّد إبداء الرقة أو التعبير عن الحاجة او الحزن أو الأسى... ولذلك يبدو "أبله" في نظر المجتمع.

"لماذا تخلق الطبيعة أفضل الناس لتسخّرَ منهم بعد ذلك؟...
أنا لم أفسد أحداً..لقد أردت أن أحيا لسعادة الناس جميعهم.. لإكتشاف الحقيقة ونشرها..
ماذا كانت النتيجة؟ لا شيء! كانت النتيجة أنكم تحتقرونني، هذا دليل على أنني أحمق".

بهذه العبارات يتحدّث الأمير ميشكين عن نفسه، تلك النفس التي تبدو ضعيفة أما جبروت البشر، بلهاء أمام المكر، بسيطة أمام التفاخر، غيبة أمام الرياء، هشّة امام الظلم. ورائعة وقويّة وقادرة إزاء مشاعر الخير والحبّ والصداقة.

"الأبله" واحد من نماذج دوستويفسكي الإنسانية العظيمة.
-الناشر-
Paperback, الطبعة الأولى , 589 pages

Published 2010 by المركز الثقافي العربي (first published 1867)

Book Quotes
مِنْ حُسنِ الحظ، على الأقل، أنَّ الإنسانَ لا يتألمُ مدةً طويلةً حينَ يُقْطَعُ رأسه. هذهِ الملاحظة التي ذكرتها أنتَ الآن تَخطرُ ببالِ كلَّ إنسان. ولتحقيقِ هذهِ الغاية إنما اخترعوا تلكَ الآلة، أعني المِقْصَلة. أما أنا فقد خطرتْ في ببالي في ذلكَ اليوم فكرةٌ أخرى إذْ تساءلتُ: "تُرى ألا يمكن أن يكونَ هذا أسوأ؟".... فكِّرْ في الأمر: لننظرْ في التعذيبِ مثلاً. إنَّ الآلامَ والجروحَ والوجعَ الجسمي، إنَّ هذا كلَّهُ يشغلُ النفسَ عنْ عذابها وينسيها ما قد تُكابدهُ منْ هول، فلا يتألمُ المرءُ عندئذٍ إلا مِنَ الجروحِ إلى أنْ يموتَ منها. والألمُ الرئيسي، والألمُ الذي هوَ أشدُ الآلامِ قوةً قد لا يكونُ ألمَ الجروح، بل الألمُ الذي ينشأُ عنْ يقينِ المرءِ منْ أنهُ بعدَ ساعةٍ ثمَ بعدَ عشرِ دقائقَ ثمَ بعدَ نصفِ دقيقة، ثمَ الآنَ فورًا، ستتركُ روحهُ جسدها، وأنهُ لنْ يكونَ بعدَ تلكَ اللحظةِ إنسانًا، وأنَّ هذا أكيد، أنّهُ أكيدٌ خاصَة. فحينَ يَضعُ المرءُ رأسهُ تحتَ المِقصَلةِ البَتَّارَة، وحينَ يسمعُ انزلاقها فوقه، في ربعِ الثانيةِ ذاك، إنَما يشعرُ المرءُ بالخوفِ الأكبر. هل تعلمُ أنَّ هذا الذي أقولهُ ليسَ مستمدًا مِنَ الخيالِ فحسب؟ لقد ذكرهُ كثيرون. وإني لأبلغُ من قوةِ الاقتناعِ بهِ أنّني سأقولُ ُلكَ رأيي في هذا الأمرِ صريحًا كلَّ الصراحة. أنا أرى أنَّ قتلَ إنسانٍ بسببِ ارتكابهِ جريمةََ قتلٍ هو قصاصٌ لا تناسبَ بينهُ وبينَ الجريمةِ نفسها. إنَّ قتلَ قاتلٍ أفظعُ كثيرًا منْ جريمةِ القتلِ التي ارتكبها ذلكَ القاتل. إنَّ الإنسانَ الذي يقتلهُ القتلة، إذْ يذبحونهُ ليلاً في غابةٍ أو غيرها، يظلُّ إلى آخرِ لحظةٍ يأملُ أنْ ينجو. يروى عنْ مقتلوينَ أنهم ظلّوا، بعدَ حزِّ رقابهم، يأملونَ ويحاولونَ الفرارَ ويتضرعونَ سائلينَ الشَّفقةََ عليهم والرأفةََ بهم. أما في الإعدام فأن الأملَ الأخير، الأملَ الذي يجعلُ احتمالَ الموتِ أسهل َعشرَ مراتٍ يُنتزعُ منكَ "حتمًا". إنَّ صدورَ الحُكمِ واستحالةُ الإفلاتِ منهُ هما اللذانِ يجعلانِ العذابَ رهيبًا فظيعًا. صَدقني: ليسَ في الدنيا عذابٌ أشدُ هولاً من هذا العذاب. لو أخذتَ جنديًا فوضعتهُ في قلبِ المعركة أمامَ فوهةِ المدفع، ثم أطلقتَ عليهِ النار، لظلَّ يحتفظُ بالأملِ إلى آخرِ لحظة. أما إذا قرأتَ لهذا الجندي نفسهُ قرارًا يحكمُ عليهِ بموتٍ "مؤكد"، فإنَ هذا الجنديّ سيفقدُ عندئذٍ عقله، أو سيجهشُ باكيًا. مَنْ ذا الذي قررَ أنَ الطبيعة الإنسانية تستطيعُ أنْ تحتملَ تعذيبًا كهذا التعذيبِ دونَ أنْ تهوي إلى الجنون؟ فيمَ إيقاعُ أذىً يبلغُ هذا المبلغ مِنَ السوء والعقم؟ ربما كان يوجدُ في هذا العالمِ إنسانٌ حُكمَ عليهِ بالموت، وشُرِغَ في تعذيبهِ ذلك التعذيب، ثم قيلَ لهُ أخيرًا: "امضِ فقد صَدْرَ عفوٍ عنك". إنَّ في وسعِ هذا الإنسان أنْ يحكي لكم وأنْ يَقُصَ عليكم.
لماذا تخلقُ الطبيعةُ أفضلَ الناسِ لتسخرَ منهم بعدَ ذلك؟ هذا ما تعمدُ إليهِ الطبيعة: حينَ أظهرتِ البشرَ على الإنسانِ الوحيد الذي عُدَّ الإنسانَ الكاملَ في هذا العالَم، عهِدتْ إليهِ برسالةِ أنْ ينطقَ بأقوالٍ كانتْ سببًا في سفحِ دماءٍ بلغتْ مِنَ الغزارةِ أنها لو سُفحتْ مرّةً واحدةً لخنقتِ الإنسانية! إنها لسعادةٌ أنْ أموت! ذلكَ أنّني إذا لم أمتْ فقد يُطلقُ لساني كذبةً رهيبةً بدافعٍ مِنَ الطبيعة!... أنا لم أُفسدْ أحدًا.. لقد أردتُ أنْ أحيا لسعادةِ الناسِ جميعًا... أردتُ أنْ أحيا لاكتشافِ الحقيقةِ ونشرها... فماذا كانتِ النتيجة؟ لا شيء! كانتِ النتيجةُ أنكم تحتقرونني. هذا دليلٌ على أنّني غبيٌّ أحمق، على أنّني امرؤٌ لاخيرَ فيهِ ولا فائدةَ منه، وعلى أنّني قد آنَ لي أنْ أزول! وحينَ أزول، فلن أُخلفَ ورائي أيّة ذكرى: لن أتركَ أيَّ صدى، لن أتركَ أيََ أثر، لن أتركَ أيَّ عمل! لم أنشرْ أيَّ رأي، لم أُذِعْ أيّة قناعة! لا تضحكوا من غبيٍّ أحمق! انسَوه! انسَوا كلَّ شيء! أرجوكم أنْ تنسَوا! لاتكونوا قساةً!

Group of Brands